الخميس، 14 يناير 2010

نضال العاملين عبر السنين.. نشأة وتطور الحركة العمالية بعطبرة ودورها في النضال الوطني (1946 ـ 1956)م

في الذكرى الرابعة والخمسين للاستقلال يناير 2010م (3 ـ 3)
نضال العاملين عبر السنين.. نشأة وتطور الحركة العمالية بعطبرة ودورها في النضال الوطني (1946 ـ 1956)م


"كانت السكة الحديد أحد أهم قنوات العمل السياسي بالبلاد، وآية ذلك أن تاريخ تطور الحركة العمالية في السودان وأثرها على الحركة السياسية القومية يعتبر من المرتكزات الأساسية في التاريخ السياسي السوداني".
مدخل:
لعبت المواصلات الحديثة، خاصة السكة الحديد، دوراً هاماً في انقلاب معايير العمران في السودان، وآية ذلك انه يمكن تقسيم مدن السودان إلى ثلاثة مجموعات. تشمل الأولى المدن التي كانت موجودة قبل الحكم البريطاني، ثم نمت وتطورت لوجود عوامل شتى أوجدها ذلك الحكم، من أهمها الخرطوم وأم درمان ومدني والأبيض وكسلا. والمجموعة الثانية التي كانت مزدهرة وتدهورت مكانتها في عهد الحكم البريطاني، فقد كان لها في الماضي أهمية تجارية وإدارية ثم انزوت وأصبح دورها هامشياً منها سواكن وبربر. أما سواكن فقد امتصت بورتسودان دورها حتى تحولت إلى حطام مدينة وفقدت بربر أهميتها كملتقى طرق تجارية بعد قيام مدينة عطبرة وامتداد الخط منها إلى بورتسودان والمجموعة الثالثة هي المدن التي نشأت مع قيام الحكم البريطاني. وأهمها عطبرة بورتسودان وكوستي. ومما يميز هذه المجموعة أنها لم تنشأ حول أضرحة الأولياء ومساجدهم كسائر مدن السودان القديمة، وإنما ارتكز نشاطها أساساً على السكة الحديد.
وتعتبر مدينة عطبرة النموذج الحي الذي يمثل ذلك الجيل الجديد من المدن الذي أوجده الحكم الأجنبي. فقد كانت المدينة مجتمعاً متفرداً ذا خصائص ومميزات فريدة. تقف شاهداً على مدى التطورات والمتغيرات والتفاعلات والتحديث الذي طرا على المجتمع السوداني خاصة في البنية الحضرية، وهذا المجتمع الذي أوجدته الظروف في بيئة عطبرة. قد يعطي فكرة أوضح لحجم المتغيرات الاجتماعية الهائلة في فترة الاستعمار. وهو أمر قد لا تمثله أي مدينة أخرى كما تمثله عطبرة وذلك لكونها مدينة صغيرة نسبياً وحديثة وسكانها متجانسون رغم تعدد أعراقهم وقبائلهم كما ارتبطت مصالحهم بمصدر رزق واحد تقريباً هو السكة الحديد. فالمدينة إذن ابتداع جديد أوجده الانجليز. وكأنما أرادوا أن يجعلوا منها مدينة اعتراضية تخرج عن نسق المدن السودانية المعروفة التي نمت كما أسلفنا حول أضرحة الأولياء ومساجدهم كالخرطوم ومدني والأبيض وغيرها، ولقد قامت المدينة أساسا لتكون مدينة مواصلات ونقل، فهي من نوع المدن الذي يسميه علماء الاجتماع الحضري (مراكز النقل الداخلي).
وقد نمت المدينة منذ بداية القرن العشرين من مجرد مخزن ومستودع لمهمات تشييد خط الساحل في عام 1905م لتكون مركزاً إدارياً وفنياً لكل ما يتعلق بشئون السكة الحديد في السودان. وقد تطورت المدينة بهذه الوظيفة لتصبح أهم مدينة صناعية وعمالية في السودان وطغت بشخصيتها على العاصمة الإدارية لمديريتها، وغدت أكبر مركز عمراني في شمال السودان وبلغ عدد سكانها في عام (64-1965)م حوالي 48.250 نسمة. وهكذا أحدث دخول السكة الحديد أثراً مدنياً ورثت على اثره مدينة عطبرة عقدية بربر أولى مدن السودان التجارية يوم كانت السيطرة لدروب القوافل. وانزوت بربر كمدينة إقليمية صغيرة وأصبحت مجرد محطة متوسطة الحال من محطات السكة الحديد.
ولقد كانت العمالة في مرفق السكة الحديد من أهم ما جلبه الانجليز من سبل ووسائل كسب العيش. فقد أدى النمو المتواصل في عمل السكة الحديد إلى جذب أعداد متلاحقة من الأجانب أصحاب الخبرات والتجارب السابقة للعمل بالمصلحة. ومن ثم استجلبت بعضاً من العناصر الأجنبية للعمل كفنيين في الورش الجديدة، وهذه العناصر شملت البريطانيين واليونانيين والبلغار والأتراك والروس والسوريين، وبطبيعة الحال فقد جذبت المدينة القبائل السودانية في المناطق حولها، بل وفي كل شمال السودان في منطقة تمتد من شندي جنوباً وحتى وادي حلفا شمالاً، هذا بجانب أهل السيالة والداخلة، والشاهد أنه خلال أعوام قلائل تحولت المدينة إلى مدينة عمالية، تذخر بمختلف الأجناس والألسن، وآية ذلك انه وحتى حلول الأزمة الاقتصادية العالمية (1929- 1934)م كانت تعيش بالمدينة جالية يونانية يصل حجمها إلى ما لا يقل عن مائة أسرة إغريقية انتقلت إليها من وادي حلفا في عام 1906م.
العوامل التي أدت إلى قيام التنظيمات النقابية بعد الحرب العالمية الثانية:
يعرف مصطلح الحركة العمالية بأنه عمالي، يتمثل عادة فيما يعرف (بالنقابة). وهي عبارة عن جمعية عمالية منظمة لجماعة من العمال ينتظمون في مجال عمل واحد، تعمل على حماية حقوقهم وتحسين ظروف عملهم ومعيشتهم، ولقد كانت فترة الحرب العالمية الثانية فرصة مواتية لإيقاظ الشعور الوطني السوداني بفضل انتشار الوعي السياسي ولاعتماد السلطات البريطانية على الموارد والجنود السودانيين في الحرب. وعليه فقد تميزت تلك الفترة بالتطورات الهائلة في شتى الميادين الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
وهكذا ففي فترة الحرب العالمية الثانية وبعيدها شهد السودان ظروفاً جديدة أدت إلى فتح الطريق أمام قيام التنظيمات النقابية وتطورها. ويمكن تلخيصها في أربعة عوامل محددة.
العامل الأول: وهو ذو طبيعة اقتصادية، فقد أدت الحرب إلى تضخم مالي مريع تجلى في الارتفاع الشديد للأسعار بينما ظلت الرواتب على حالها منذ عام 1935م. وآية ذلك انه وحتى 1946م كان العامل يتقاضى راتباً يتراوح بين أربعة قروش واثني عشر قرشاً في اليوم، وحتى بعد أن زيدت الرواتب ظل العامل في السكة الحديد يتقاضى أجراً لا يتعدى جنيهين كراتب أساسي في الشهر. وقد كانت هذه الرواتب المتدنية أحد الدوافع الأساسية لقيام التنظيم العمالي. فالشاهد أن الأجر كان لا يتناسب مع العمل من حيث الكم والكيف، فساعات العمل طويلة، والعمل شاق ومضن، وقد عد العمال ذلك مظلمة وغبناً لابد من رفعه.
العامل الثاني: ويتمثل في تطور حجم القوى العاملة الحضرية خلال فترة الحرب، كنتيجة للمساهمة التي قدمها السودان للحلفاء في الشرق الأوسط في مجال التسهيلات وفي مجال المساهمة المباشرة في العمليات الحربية، وللتوسع الذي حدث في الصناعات الصغيرة اثناء الحرب. والظاهرة الأخيرة كانت بسبب الحاجة لإنتاج المعدات الحربية لجيوش الحلفاء وإنتاج السلع الاستهلاكية التي لم يكن من الممكن استيرادها في تلك الظروف.
ولقد كان للتوسع الكبير الذي شهدته قوة دفاع السودان خلال فترة الحرب، وتسريح أعداد كبيرة من الجنود بعد انتهاء الحرب تأثيرات هامة وايجابية في مجال تقوية الصف العمالي كماً وكيفاً. فقد التحقت أعداد مقدرة من أولئك الجنود بمرفق السكة الحديد، ومن ثم أمد ذلك حركة العمال برافد قوي وهام ومسلح بالقدرة الفنية. إذ كان أولئك الجنود مؤهلين تأهيلاً فنياً عالياً في التدريب على قيادة السيارات، والحدادة والتلغراف وغير ذلك من المهن الجديدة. ومن المهم أن نذكر أن بعض العمال الذين تقدموا نشاط الحركة النقابية في الأربعينات كانوا من أولئك الجنود المسرحين من قوة دفاع السودان خاصة الذين تحصلوا على تدريب في المجالات الفنية. وقد قدر عدد العمال الذين يعملون بالسكة الحديد من ذوي المهارات المختلفة في عام 1946م بنحو 20000 عامل، قفزوا إلى 25263 عامل في عام 1953م.
العامل الثالث: ويعزى إلى ظهور النشاط السياسي وسط المتعلمين السودانيين إثناء الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي أدى إلى توسيع فرص نشوء التنظيمات السياسية والاجتماعية على السواء، ومن جهة أخرى كانت بعض القيادات السياسية الجديدة لا تخفى تأييدها ودعمها للنشاط النقابي وسط العمال، بل انها قامت عملياً بدور هام وكبير بتشجيع قيام التنظيمات النقابية العمالية وفي الدفاع عنها وعن قياداتها الناشئة. فالشيوعيون الذين كونوا تنظيم الحركة السودانية للتحرر الوطني في عام 1944م كانوا في مقدمة الذين قاموا بمثل هذا الدور عن طريق بسطهم للحقائق الجديدة المتعلقة بوسائل النضال وشرحهم لأسباب البؤس والفقر الذي كانت ترزح تحت نيرة جماهير العمال. وعلى أي حال لم يكن الشيوعيون الحركة السياسية الوحيدة التي كانت تهتم بقضايا العمل النقابي، فحزب الأشقاء أيضاً كان يعمل على تشجيع ودعم نشاط العمال أدبياً ومادياً بل ساهم مساهمة كبيرة في نشوء وتطور النشاط النقابي.
العامل الرابع: ويتمثل في سياسة إدارة الحكم الثنائي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي كانت تستوعب فتح الطريق لنشوء النقابات العمالية في كل أقطار الإمبراطورية، خاصة بعد انتصار حزب العمال في انتخابات عام 1946م، وتعيين القائد العمالي أرنست بيفن (Ernest Bevin) وزيراً للخارجية في الحكومة البريطانية كان يمثل دافعاً رئيسياً يمثل هذا التغيير في سياسة إدارة الحكم الثنائي في السودان. وهذا ما حدث بالفعل ففور تعينه وزيراً للخارجية قام بيفن باتخاذ الإجراءات اللازمة لتعيين قنصل عمالي في السفارة البريطانية بالقاهرة وذلك لمساعدة حكومة السودان في تطوير التشريعات العمالية، وهكذا يمكن القول أن حزب العمال البريطاني أخذ يمد يده ما وراء البحار متلمساً الحركات العمالية في المستعمرات حتى يحتويها لتصبح سنداً له.
نشأة وتطور هيئة شئون العمال بعطبرة (1946 ـ 1947)م:
وهكذا وبعد سلسلة من الاجتماعات في الفترة ما بين 29 يونيو إلى 16 يوليو، شهد صيف عام 1946م بمدينة عطبرة، مركز السكة الحديد، قيام أول تنظيم للعمال أطلق عليه (هيئة شئون العمال) على يد العمال الفنيين بمصلحة الهندسة الميكانيكية. وكان ميلادها نتاجاً لعاملين مستقلين بالرغم من ظهورها في وقت واحد تقريباً (1946م). وظهر أحد هذين العاملين في شكل محاولة رسمية من قبل الحكومة لخلق علاقات وطيدة داخل إطار العمل بين العمال والإدارة وذلك عن طريق تكوين ما يسمى بـ (لجان الورش) أما العامل الثاني فقد برز من وسط العمال أنفسهم، وظهر في شكل تنظيم عمالي متعدد الأغراض هو: هيئة شئون العمال التي كانت تمثل تنظيماً نقابياً في جانب من جوانبها، وجمعية خيرية تعاونية في الجانب الآخر، ومن خلال التفاعل بين خطى التطور المذكورين، ومن خلاله حالة الصراع التي نشبت بينهما منذ البداية، تحددت ملامح سرعة النمو والتطور اللاحق لحركة العمال المنظمة.
والشاهد انه منذ مطالبة العمال بقيام الأندية العمالية في الثلاثينات، جاءت مطالبتهم بقيام تنظيم نقابي معترف به. ورفض المستعمر ذلك وطغى وتجبر، ولكن العمال اجبروه على ذلك بإضرابهم الجماعي الذي استمر مدة عشر أيام خلال شهر يوليو 1947م. وهو الإضراب الذي توقف خلاله دولاب العمل في كل مرافق السكة الحديد وعلى امتداد القطر، فتعطلت حركة مسير القطارات، وشلت حركة البواخر النيلية، وتأثرت جميع المصالح التي لها ارتباط بمرفق السكة الحديد والذي كان يمثل أهم وسيلة للنقل بالبلاد. وكان ذلك الإضراب الأول من نوعه في تاريخ السودان الحديث من حيث التنظيم، وهكذا تمكنت الهيئة ليس فقط من الحصول على الاعتراف الرسمي بها، وإنما أيضا من توسيع نفوذها إلى كل مصالح السكة الحديد. وكان ذلك الاعتراف بالهيئة يمثل بداية لمرحلة جديدة في تطور الحركة العمالية في السودان.
والحقيقة أن المطالب العمالية لم تكن مجردة من الروح الوطنية، بل حفلت بها، حتى يكاد المرء يلمس من خلالها الدعوة لإجلاء المستعمرين. كما أنها تؤكد نضوج الطبقة العاملة وحسها الوطني في مقاومة السلطة الاستعمارية من خلال تعرية ميزانياتها وكشف ألاعيبها، الأمر الذي أدى في النهاية إلى الإضراب المفتوح الذي نفذه عمال السكة الحديد في مارس 1948م واستمر لمدة ثلاثين يوماً.
والشاهد أنه في أغسطس 1949م تكون مؤتمر العمال من هيئة شئون العمال وأربعة عشرة نقابة عمالية. وفي نوفمبر 1950م، استبدل المؤتمر بالاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وأصبح محمد السيد سلام رئيساً له والشفيع أحمد الشيخ سكرتيراً عاماً للاتحاد.
لقد كانت هناك عوامل رئيسية ومهمة شكلت العنصر الأساسي في إنجاح فكرة هيئة شئون العمال وبروزها بتلك القومية الكاسحة، وهي أن المستعمر كان هو المهيمن والمسيطر على جميع موارد الرزق في البلاد. وقيام الحركة العمالية بشكلها المطلبي جعلها تستغل تلك الصفة المطلبية بشكل أوسع وبطرق مبتكرة لمحاربة الاستعمار حرباً لا هوادة فيها، فالاضربات الكثيرة المتوالية والمظاهرات الكبيرة الهادرة، كانت تقوم لأبسط الأسباب وبهدف إزعاج المستعمر، وزعزعة سيطرته على البلاد. أن تلك الهيئة نمت وتطورت إلى أن صارت نقابة عمال السكة الحديد، وبذلك المجهود المثمر انتظمت جميع الهيئات في السودان تحت لواء النقابات التي حملت على عاتقها عبء النضال من أجل تحرير البلاد.
إتحاد عام نقابات العمال ونشاطه السياسي (1950 ـ 1956)م:
ولقد أدى قيام اتحاد عام نقابات العمال إلى وجود إطار جديد للحركة النقابية العمالية يمكنها من تحقيق أهدافها السياسية. فدستوره الذي أجيز في عام 1950م كان يحدد دور الاتحاد في الدفاع عن مصالح العمال وحقوق العمل، ولكن بعد فترة وجيزة من ذلك التاريخ، وجد الاتحاد نفسه داخل دائرة النشاط السياس، ففي أول اجتماع له في ديسمبر 1950م أعلن الإضراب لمدة ثلاثة أيام احتجاجاً على تشريد 119 طالباً من مدرسة خورطقت الثانوية. وهكذا وجدت النقابات نفسها منذ البداية في قلب النشاط السياسي، والحقيقة أن العمال كانوا قد ربطوا أنفسهم منذ وقت مبكر بالحركة الوطنية بقيام مؤتمر الخريجين في عام 1938م وجد العمال كما أسلفنا من أهم الفئات الحديثة النامية في البلاد، والاهم من ذلك أن المؤتمر وجد العمال شبه منظمين تحت راية الأندية، ووجد عندهم الوعي القومي الجديد، فما كان منه إلا أن حاول الاستفادة منهم، فبدأ بتنسيق نشاطه مع نشاطات الأندية بل وأخذ يستعين بها في تنفيذ برنامجه الوطني. وهكذا التقت الفئة المتعلمة مع الفئة العاملة وأخذوا ينسقون جميع نشاطاتهم اجتماعية كانت أم ثقافية.
والحقيقة أن هناك عوامل محددة كان لها تأثيرها الهام والكبير في دفع الحركة النقابية إلى دائرة النشاط السياسي يمكن تلخيصها في الآتي:
ـ صعود الحركة الوطنية والوعي الوطني في تلك الفترة (1946- 1955)م، كانت له تأثيراته الكبيرة على العمال وغيرهم من قطاعات السكان. وهذا ما دفعهم إلى ربط مطالبهم بالأفق السياسي والمطالب السياسية، وآية ذلك انه عند قيام (هيئة شئون العمال) بعطبرة في 1946م، لم ينس العمال واجبهم الوطني، فكان أول شيء فعلته أن اتصلت بالسيد عبد الرحمن المهدي، والسيد علي الميرغني، زعيمي طائفتي الأنصار والختمية، موضحة أهداف العمال وأغراضهم التي من اجلها واجهوا الانجليز. وبذلك يكون العمال قد وضعوا أنفسهم في المقدمة مع رجالات الحركة الوطنية إلى أن تحقق استقلال السودان.
ـ إن نجاح العمال في انتزاع شرعية العمل النقابي من خلال المواجهة المباشرة مع إدارة السكة الحديد والحكومة، كانت له أيضا تأثيراته في هذا الجانب. فقد دفعهم هذا النجاح إلى التركيز على الوعي السياسي والصلابة النضالية كطريق وحيد لتحقيق المطالب العمالية.
ـ هناك أيضاً حقيقة أن القطاع الحكومي كان يستوعب معظم القوى العاملة في البلاد، وبذلك كان العمال في صراعهم من اجل تحقيق مطالبهم النقابية لا يميزون كثيراً بين إدارة العمل في المصالح المختلفة، والحكومة الاستعمارية.
* وفي عام 1953م تجددت المواجهات بين اتحاد النقابات والحكومة، ففي فبراير من ذلك العام جرى التوقيع على اتفاقية الحكم الذاتي في القاهرة. ورغم أن الجماهير السودانية اندفعت مثل الموج الكاسح في تظاهرات فرحة تعبر عن تأييدها للاتفاقية، إلا أن اتحاد النقابات سرعان ما أعلن معارضته لها وأصدر بياناً يدين فيه الاتفاقية ويهاجم الأحزاب التي قبلتها من وراء ظهره. وكان هذا الموقف يقوم على أساس أن الاتفاقية تفتقد الضمانات الضرورية لتقرير المصير، كما أنها مدت عمر الاستعمار ثلاثة سنوات. هذا فضلاً عن أن السلطات الممنوحة للحاكم العام في الفترة الانتقالية، كانت كبيرة وواسعة. وكان اهتمام الاتحاد في الفترة اللاحقة ينحصر في معارضة وانتقاد برامج الأحزاب، ففي مؤتمره السنوي الثالث ديسمبر 1953م قام اتحاد النقابات بشن هجوم واسع على بعض السياسيين السودانيين بسبب اهتمامهم بقضايا التحرير فقط وإهمال القضايا الاقتصادية والاجتماعية حتى يتحقق الاستقلال، وأكد الاتحاد أن التحرير يفقد مضمونه إذا لم يرتبط بالتعمير، زاعماً أن الفشل في ربط عملية التحرير بقضايا التعمير يعني الخضوع لمصالح الاستعماريين والطبقات الحاكمة. وظل هذا الاتجاه يمثل محور الخط السياسي للاتحاد حتى إعلان الاستقلال في مطلع عام 1956م.
* وهكذا كان العمال وحركتهم النقابية أحد الشواهد الحية على صدق ما قيل من أن النتيجة النهائية لتشييد السكك الحديدية، والمحاولات المستمرة لتحسين وتطوير وسائل المواصلات في المستعمرات كانت غير متوقعة. وذلك أن تلك التحسينات التي أدت في بداية الأمر لامتلاك المستعمرات، خلقت في نهاية المطاف الظروف والعوامل التي أسهمت في الإطاحة بالاستعمار.
استراحة العدد:
أنا سوداني
للشاعر/ محمد عثمان عبد الرحيم..
كل أجزائه لنا وطن إذ نباهي به ونفتتن
نتغنى بحسنه أبداً دونه لا يروقنا حسن
حيث كنا حدت بنا ذكر ملؤها الشوق كلنا فدى
نتمنى جماله لنرى هل لترفيه عيشه ثمن
غير هذي الدماء نبذلها كالفدائي حين يمتحن
بسخاء بجرأة بقوى لا يني جهدها ولا تهن
تستهين الخطوب عن جلد تلك تنهال وهي تتزن
أيها الناس نحن من نفر عمروا الأرض حيثما قطنوا
يذكر المجد كلما ذكروا وهو يعتز حين يقترن
حكّموا العدل في الورى زمنا أترى هل يعود ذا الزمن
ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها حطة ولا درن
نزحوا لا يظلموا أحداً لا، ولا لاضطهاد من أمنوا
وكثيرون في صدورهم تتنزى الأحقاد والإحن
دوحة العرب أصلها كرم والى العرب تنسب الفطن
أيقظ الدهر بينهم فتناً ولكم أفنت الورى الفتن
يا بلاداً حوت مآثرنا كالفراديس فيضها منن
قد جرى النيل في اباطحها يكفل العيش وهي تحتضن
رقصت تلكم الرياض له وتثنت غصونها اللدن
وتغنى هزارها فرحاً كعشوق حدا به الشجن
حفل الشيب والشباب معاً وبتقديسك القمين عنوا
نحن بالروح للسودان فدى فلتدم أنت أيها الوطن

هناك تعليق واحد:

  1. عطبرة بلد الشموخ والابطال والرجال وبلد المثقفين والمتعلمين يكفيها فخرا بالرجل الذي وهب نفسه للتعليم السيد عثمان السيد استاذي الجليل الشكر لك وكل والامتنان والتقدير

    ردحذف

المؤلف

صورتي
عطبرة, نهر النيل, Sudan
مؤرخ وأستاذ مادة التاريخ بالجامعات السودانية