محتويات الموقع

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

مرحى: جسور الأمل والرجاء

مرحى: جسور الأمل والرجاء
نهر النيل تتأهب لتدشين جسرها الثاني: العكد ـ أم الطيور خلال يونيو الجاري.
إن المشاريع المصاحبة لسد مروي هي بمثابة ثورة في شرايين الوطن


* جسور الأمل والرجاء. لماذا؟
كان السودان، هذا البلد القارة، ولا يزال في بعض أجزائه وأطرافه، عبارة عن جزر منعزلة، أشبه بالكانتونات السويسرية، كل منها عالم قائم بذاته. وهو الأمر الذي وقف ويقف عائقاً في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية بالبلاد، والتي هي من أهم الأهداف التي تحتاج الدول والحكومات إلى تحقيقها والحفاظ عليها، ومن أعسرها منالاً في ذات الوقت. هذا وتعتبر التنمية بأنواعها المختلفة من أهم دعامات الوحدة الوطنية، ويأتي قطاع المواصلات في مقدمة ما تحتاجه التنمية. وآية ذلك أن سوء المواصلات عدا أنه يقلل من فرص النمو الاقتصادي، فإنه يؤثر سلباً على وحدة البلاد وتماسكها من الناحية الإستراتيجية.
والشاهد أن نمو وسائل الانتقال والاتصال وغيرها من الهياكل الأساسية، توحد الجسور وتسهل التمازج والانصهار بين قطاعات الشعب المختلفة، فتحطم الحواجز التي تقيمها المسافات واختلاف الألسن ومستوى النمو، ويتهيأ الجو لبناء الوحدة الوطنية، ذلك لأنها أولاً وقبل كل شيء، شعور إنساني يربط بين القلوب والأشخاص، وهكذا فإن التنمية خاصة في مجال المواصلات تحد كثيراً من الآثار السالبة للتمايز الاقتصادي والاجتماعي بين المناطق والفئات المختلفة. وآية ذلك أن التبادل السلعي الذي تتيحه سبل المواصلات بين مناطق القطر المختلفة، يلعب نفس الدور الذي يلعبه التبادل العالمي في دفع عجلة التنمية في كل الدول المشاركة فيه. ومع التبادل السلعي تتأكد الروابط ويشتد التمازج بين أنحاء القطر الواحد، مثلما يحدث على نطاق العالم نتيجة التجارة الدولية. وآية ذلك انه يتولد عنه اعتماد المناطق المختلفة على بعضها البعض في تصريف واستيراد حاجاتها.
وعطفاً على ذلك يجيء هذا الاهتمام الزائد بهذه الانجازات التنموية التي انتظمت البلاد عامة ونهر النيل خاصة. ومن ثم يكتسب هذا الاحتفاء بجسور الأمل والرجاء أهميته، وآية ذلك أنها أولاً وقبل كل شيء جسور للربط الاقتصادي والاجتماعي والإنساني.
ولنبدأ من البداية، فقد كان لزاماً لإكمال مشروع القرن المرشح لاجتثاث الفقر ودحر الظلام بالبلاد، أن تكون هنالك نهضة كبيرة تصاحب قيام المشروع العملاق بنياته التحتية. فبدون الطرق المعبدة لا يمكن نقل واردات وآليات المشروع، ولا يمكن ربطه بباقي أجزاء الوطن حتى يعم خيره كل إرجاء البلد. ولما كان النيل هو مصدر الحياة ومنبع الخيرات وعليه يقع المشروع الكبير، إلا أن العبور بين ضفتيه يشكل عائقاً أساسيا للتنمية ولا يوجد عليه جسر واحد بعد جسر شمبات شمال الخرطوم. لذا كان لزاماً إنشاء جسور رئيسية. على النيل حتى تكتمل حلقات الربط والتواصل ويتم عناق الضفتين في خمس حالات لأول مرة بولايتي الشمالية ونهر النيل. ثلاث منها بالشمالية: دنقلا ـ السليم، مروي ـ كريمة، الدبة ـ أرقي واثنان بنهر النيل: شندي ـ المتمة، العكد ـ أم الطيور. هذا وقد جرى الفعل تدشين كوبري الصداقة مروي ـ كريمة في 17 يناير 2008م، كما تم افتتاح كوبري شندي ـ المتمة في 18 مايو 2009م وسيتم بمشيئة الله تدشين كوبري العكد ـ أم الطيور خلال يونيو الجاري.
* كبري العكد ـ أم الطيور:
أ. معلومات أساسية:
تقوم بتنفيذ الكوبري وحدة تنفيذ السدود بتمويل من وزارة المالية الاتحادية بتكلفة مبدئية قدرها (37) مليون دولار، ما يعادل 10.954.210.545جنيهاً. والمقاول الرئيسي للمشروع شركة دانفوديو للطرق والجسور (A&A) فيما تعمل الدار الاستشارية كاستشاري للمشروع.
ويتكون الجسر من جسم خرساني بطول (856) متراً وعدد (22) بحراً بطول (10) أمتار لمرور المواطنين أسفل المدخل، وبعرض كلي (20.5) متر. وبالكوبري مساران في كل اتجاه مع مسار للمشاه في جانب.
بدأ العمل في الكوبري في اليوم الأول من فبراير عام 2006م على أن ينتهي في ظرف عشرين شهراً.
ب. المردود الاقتصادي الاجتماعي:
الجسر من الكباري المهمة. وآية ذلك انه يربط بين ولايتي نهر النيل والولاية الشمالية من جهة، والولايتين معاً والميناء الرئيسي للسودان، بولاية البحر الأحمر من جهة أخرى. وهو من هذه الزاوية إضافة اقتصادية واجتماعية حقيقية لكل السودان عامة وللمنطقة خاصة، حيث انه يربط طريق التحدي، وطريق بورتسودان عطبرة، بطريق مروي ـ عطبرة. وبهذا يمكن السودان من تصدير منتجاته من الشمالية الكبرى إلى العالم أجمع. كما يسهم في نقل الواردات عن طريق: عطبرة، بورتسودان إلى ولايتي نهر النيل والشمالية.
وتندرج مبررات الكوبري اقتصادياً في ربط مناطق إنتاج المحاصيل بمناطق تسويقها وزيادة الكميات المنتجة وتقليل تكلفة النقل إلى المناطق المجاورة والخرطوم، ومن ثم تشجيع المزارعين لزيادة الرقعة الزراعية.
ومن المنظور أن يحدث الكوبري حراكاً اقتصادياً هائلاً بالمنطقة، إذا علمنا أن العديد من مصانع الاسمنت تشيد الآن في ولاية نهر النيل. وقد اكتمل بالفعل اثنان منها: مصنع السلام، ومصنع الشمال، إضافة إلى مصنع اسمنت عطبرة العتيق. ولا شك أن قيام الكوبري سيسهل الاستثمار في هذه الصناعة الرائجة بالإضافة إلى صناعة الزجاج والسراميك.
سيكون للجسر إسهام كبير في تنشيط الحركة التجارية وإنعاش الاقتصاد في محليتي عطبرة، الدامر. خاصة إذا علمنا أن منطقتي أم الطيور والفاضلاب تتبعان لمحلية عطبرة. وهكذا تتصل المحليتان لأول مرة في التاريخ. هذا بالإضافة إلى الخدمات البيئية التي سوف يقدمها الكوبري لأهالي العكد شرقاً وأم الطيور غرباً والمناطق حولها. ومن المتوقع أيضاً أن يسهم قيام الكوبري في الاستثمار السياحي بولايتي نهر النيل والشمالية، خاصة وإنهما من أغنى مناطق السودان بالمواقع الأثرية.
وعلى الصعيد الاجتماعي سيسهم الجسر في تواصل الناس، وتمتد فوائده تشمل ربط المواطنين بالمسئولين والقادة، وتفادي خطر البنطون والغرق، وتجنب الكثير من المخاطر والحوادث، فضلاً عن المعاناة وضياع الوقت والمال.
ولا جدال في أن صناعة السدود والجسور بالبلاد، قد أكسبت الفنيين والعمال السودانيين الخبرة والتجربة والمهارة، خاصة إذا علمنا أن 99% من الأيدي العاملة بكوبري العكد ـ أم الطيور سودانية خالصة.
والخلاصة: إن من أهم مميزات الجسر المذكور انه يربط بين ضفتي نهر النيل بين مدينتي عطبرة والدامر ولأول مرة ومن ثم يسهم في انسياب الحركة القادمة من بورتسودان إلى ولاية نهر النيل والشمالية عن طريق بورتسودان ـ عطبرة كما انه يهيئ الولاية لمستقبل صناعة الاسمنت ويساهم في الاستثمار السياحي في الولايتين وزيادة الرقعة الزراعية بهما. كما يربط كل مدن وقرى غرب النيل بميناء السودان الرئيسي، ويسهم بالتالي في دعم مسيرة التواصل الاجتماعي والتجاري والزراعي بين محليتي عطبرة والدامر إضافة إلى تنشيط الاستثمار بهما.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المؤلف

صورتي
عطبرة, نهر النيل, Sudan
مؤرخ وأستاذ مادة التاريخ بالجامعات السودانية