محتويات الموقع

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

على هامش منتدى العطبراوي الثقافي: برافو : الاتحاد الوطني

على هامش منتدى العطبراوي الثقافي: برافو : الاتحاد الوطني

الأستاذ حسن أحمد الشيخ: لو لم يكن للعطبراوي سوى(أنا سوداني)لكان قميناً بالأمارة


في باحة متبرحة وأمسية حالمة بالخميس 29 أكتوبر الماضي، شهدت حديقة الرشيد مهدي أولى فعاليات منتدى العطبراوي الثقافي والتي نظمتها أمانة المناشط بالاتحاد الوطني للشباب. وقد أمها جمهور ضخم وفخم يتقدمه السيد وزير الشباب والرياضة ومدير وزارة الثقافة، وعدد مقدر من الفنانين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي والفكري بالمدينة. ونحن إذ نهنئ الاتحاد الوطني للشباب على هذه المبادرة التي طال انتظارنا لها، نشد على أياديهم وندعم مسيرتهم فمن غير الشباب يحمل راية التغيير؟ ومن غير الشباب يتصدى للبناء والتجديد؟ ومن غير الشباب لصياغة الحياة القادمة كما انشد الشاعر محمد المكي.
من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصر
من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدة والسير
من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياة القادمة
جيل العطاء المستجيش ضراوة ومصادمة
المستميت على المبادئ مؤمنا
المشرئب إلى النجوم لينتقي صدر السماء لشعبنا
جيلي أنا
جيل العطاء لعزمنا حتماً يزل المستحيل وننتصر
وسنبدع الدنيا الجديدة وفق ما نهوى
ونحمل عبء أن نبني الحياة ونبتكر
ان اهتمام الأمم كل الأمم قديما وحديثاً بالشباب لم يأت من فراغ، وآية ذلك أن الشباب في كل زمان ومكان هم أهم شرائح المجتمع على الإطلاق وذلك لعدة أسباب أهمها:
أولاً: لا جدال في أن الشباب هم أكثر شرائح المجتمع طاقة ونشاطاً وعنفواناً، وبالتالي هم الأقدر والأدرى على حمل عبء البناء والتعمير والتغيير.
ثانياً: يمثل الشباب عادة إرادة التغيير في مقابل إرادة الثبات عند الكبار، ومن هنا كان منشأ ظاهرة الصراع بين الأجيال بين قوة الشباب الجامحة المندفعة، وقوة الكبار الكابحة القابضة، وتحاول المجتمعات دائماً التخفيف من غلواء الصراع بالتواصل أي تواصل الأجيال، وذلك عن طريق النشاط الثقافي وعن طريق التوثيق والتدوين، إن كل ذلك من شأنه أن يكرس ويجسد ذلك التواصل المنشود.
ثالثاً: كما أن أهمية الشباب تكمن في كثرة المشاكل التي تصاحب تلك المرحلة من العمر من 12 إلى 20 عاماً والتي يطلق عليها علماء النفس فوران المراهقة Adolescence Tunmoil وهي مرحلة تتسم بالقلق والتوتر والتفكير المستمر في المستقبل، ونمو الغرائز، خاصة الغريزة الجنسية. فضلاً عن أحلام اليقظة والسرحان وجيشان العواطف.
ولا شك أن النشاط الثقافي والفكري كما أسلفنا هو الذي يخفف من نمو صراع الأجيال. كما يجد فيه الشباب متنفسا لإبراز مواهبهم، وقناة يعبرون من خلالها عن مشاعرهم وتطلعاتهم، ويتواصلون بالتالي عبرها مع شرائح المجتمع الأخرى، مستفيدين من خبرة الكبار، وتجارب المخضرمين في المجالات المختلفة. ولكي يأتي ذلك النشاط الثقافي والفكري أكله، وتجنى ثماره لابد أن يتحول إلى سلوك وفعل، أي أن تكون له قيمة منصرفة ووظيفة في المجتمع. فالمعرفة في حد ذاتها ليست قوة وإنما القوة في استخدامها وتطبيقها. والثقافة كما هي نظرية في المعرفة هي كذلك نظرية في السلوك، فما جدوى المعرفة إذا ظلت حبيسة جدران العقل لا تغادره إلى الواقع؟ وما جدوى المعرفة إذا لم تتحول إلى كينونة تخلق مجتمع أفضل وأجمل؟ وفي تراثنا السناري نجد أن أولاد جابر وهم من نسل غلام الله بن عائد الركابي، كانوا يعطون إجازات علمية أو شهادات لمن يتخرجون من مدارسهم، تصلح لأن تكون دستوراً للحركة العلمية والثقافية. وقد لخص الشيخ عبد الرحمن بن جابر أهداف التعليم في مملكة سنار في إجازته التي منحها لأحد تلامذته بعد أن أكمل نصبه: (مربياً للمريدين، وقدوة للمسترشدين، وملجأ للفقراء والمساكين).
وتفيد هذه الموجهات أن هدف المعرفة أو الثقافة ليست فقط التأهيل لنيل حرفة أو إشباع التطلعات الذاتية للدارس أو حشو المعلومات في ذهنه ليعد في طائفة المثقفين، وإنما المقصود إعداد الدارس ليكون مربياً لغيره كما أن مفهوم القدوة هو مفهوم محوري في التعليم الإسلامي، لأن الإيمان ما وقرة في القلب وصدقه العمل، ولان القدوة الحسنة تحرك خصال الخير في النفس البشرية وتقضي على نوازع الهوى وتعطي العبارة "ملجأ الفقراء والمساكين" المدلول الاجتماعي للثقافة والمعرفة، فليس هدف التعليم خلق طبقة متعالية منعزلة عن سواد الشعب، وإنما هدف المعرفة أو الثقافة المتحصلة من التعليم إعداد الكوادر القادرة على الاستجابة لاحتياجات الجماعة الضعيفة المعرضة لنوازل الطوارق الاجتماعية فهم أحق الناس بالرعاية والاهتمام.
ليس المطلوب إذن خلق هذه الصفوة اللاهثة للسكن المريح والتعليم الراقي والنمط الاستهلاكي العالي في تنكر للفقر والفقراء وازدراء لواقع وتأفف من معايشة أهله .
والشاهد أن الخط يدور دوما حول محور الأخلاق فإذا أردت أن تحسن حظك في الحياة فلتبدأ بتحسين حظوظ الآخرين . لكونك في نهاية المطاف جزءاً من كل، فرداً في جماعة، حلقة في سلسلة، ذلك هو الوجه الإنساني للثقافة الذي قال عنه السير دوجلاس نيوبولد احد السكرتيرين الإداريين إبان الحكم الثنائي في السودان، انه أهم المكونات الضرورية للشخصية المثقفة، إذ لا أستطيع أن اصف إنسانا بأنه مثقف لو لم يكن لدي هذه الصفة والتي تتألف من أربعة عناصر: (رحابة الخيال، التسامح، البساطة أو التواضع، روح الدعابة) فالخيال هو الصفة التي يضفيها الإنسان الذكي إلى ما يقرأ أو ما يكتب لكي يزداد فهماً له، ولكي يجعله اقرب إلى الحياة والواقع.
أما التسامح فإن المثقف يرى أن الحقيقة أمر نسبي وإنها متعددة الوجوه. وان الجمال مثلاً يشبه قوس قزح في تعدد ألوانه وإن العالم أخلاط شتى من البشر.
والبساطة أو التواضع دلالة على وعي الإنسان بمحدوديته في الزمان والمكان، وإن العظمة الحقيقية في هذه البساطة.
أما روح الدعابة فعلامة من علامات الصحة النفسية والوجدان السعيد، وعلى نزعة التفاؤل والفرح بالحياة والأحياء.
عود على بدء:
نعود الآن للحديث عن الفنان الراحل حسن خليفة العطبراوي، الذي جاء على لسان صديقه الحميم الأستاذ حسن أحمد الشيخ هذا الرجل المشبع بذكريات نادرة عن رموز المدينة التي أحبها ونزر نفسه لخدمتها وإعلاء شأنها، تحدث الأستاذ حسن حديثاً طيباً ونادراً ومفيداً عن سيرة العطبراوي ومسيرته، مستعرضاً في دقة متناهية انجازاته وإبداعاته عبر محطات مختلفة من عمره المديد. وتستمد كلمات الأخ حسن وذكرياته عن العطبراوي أهميتها ومصداقيتها من كونه أكثر الناس التصاقاً بالفنان العطبراوي الذي كان يعمل بجزارة عطبرة بجانب والد الأستاذ حسن ونأمل أن نرى قريباً كل ذلك موثقاً في كتيب منل عودنا الأستاذ دائماً.
ولا يفوتنا أن نحي الأستاذ الفنان حسن محي الدين الذي أتحف الجمهور برائعات كثر من روائع الفنان الراحل، أداء متميز، وحماس متدفق.
والحقيقة أن الحديث عن العطبراوي لابد أن يرتبط بشكل أو آخر برائدين آخرين هما: الفنان الراحل الرشيد مهدي، وشيخ الوراقين المرحوم عوض الله دبورة، وآية ذلك أن هذا الثلاثي المتفرد يمثل مثلثاً ذهبياً في ساحات العطاء بأم المدائن، فقد جمعت بينهم أكثر من صلة وأكثر من خصيصة. فهم أولاً أبناء جيل واحد. وزمن واحد صعب جثم فيه المستعمر على كل البلاد وظلم العباد ،ولقد كان ثلاثتهم سابقين لعصرهم متفوقين على زمانهم.
اختار العطبراوي طريق الفن الوعر فأجاد وأبدع فغنى للوطن وأنشد للعاملين واحتفى بالحب في أهازيج نادرة ورائعة وأصبح بشهادة الجميع أمير الأغنية الوطنية بلا منازع، غنى العطبراوي اذن الغناء الجميل في الزمن الصعب.
واختار دبورة مهنة الوراقين والمراسلين الصحفيين وهي مهنة محفوفة بالمتاعب وضيق الرزق.
أما ثالثهم الرشيد مهدي فقد انخرط في مهنة التصوير الفوتوغرافي وولج منها من ثم إلى عالم الفن السابع (السينما).
والشاهد أن ثلاثتهم اختاروا مهناً غير مألوفة وغير عادية ومحفوفة بالمكاره وعلى قدر غير يسير من المغامرة والمعاناة. ولقد كانوا جميعاً أصحاب رسالات كل في مجاله وآية ذلك أنهم جميعاً لم تراودهم الرغبة في الرحيل إلى المركز بحثا عن الشهرة وطلبا للمال واستقواءً بالأضواء ووسائل الإعلام، وكان بوسعهم لكنهم في المقابل آثروا البقاء حباً في مدينتهم ووفاءً لها. ومن ثم صنع كل منهم مستقبله وشاد مجده بمقدرته الذاتية وأحلامه المتقدة وأفقه الواسع.
كل ذلك يؤكد أن الموهبة الحقيقية لا تحتاج كثيراً للأضواء كي تنمو وتزدهر، كما يقف شاهداً في نفس الوقت على أن ذلك المثلث الذهبي كان نموذجاً نادراً للوفاء والتضحية ونكران الذات، وعنواناً للتفوق والريادة، وبرافو: الاتحاد الوطني للشباب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المؤلف

صورتي
عطبرة, نهر النيل, Sudan
مؤرخ وأستاذ مادة التاريخ بالجامعات السودانية