محتويات الموقع

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

عمران الشمال: وداعاً للعزلة

عمران الشمال: وداعاً للعزلة
العكد تعانق أم الطيور ودنقلا والسليم وجهاً لوجه.. وقريباً الدبة وأرقي


توطئة:
لا شيء ينجح كالنجاح Nothing Succeed like Success والنجاح يولد النجاح Success Yieldo Success هذا القول ينطبق تماماً على المشهد التنموي بالبلاد، والذي أخذت رقعته في الاتساع والتمدد عاماً بعد آخر. فما تكاد البلاد تحقق انجازاً حتى تجد نفسها مندفعة لتجاوزه إلى انجاز آخر أعظم وأضخم، ولما كان سد مروي (مشروع القرن) هو الانجاز الأعظم والأضخم في تاريخ السودان الحديث فقد صار هو المحفز الأكبر لانجازات أخرى صاحبته خاصة في مجال الجسور والطرق والتي أصبحت حقيقة لا مجازاً. بمثابة ثورة في شرايين الوطن.
وإذا تجاوزنا المردود الاقتصادي لتلك الانجازات، فان نمو وسائل المواصلات والانتقال والاتصال وغيرها من الهياكل الأساسية، توحد الجسور وتسهل التمازج والانصهار بين قطاعات الشعب المختلفة، فتتحطم الحواجز التي تقيمها المسافات واختلاف الألسن ومستوى النمو، ويتهيأ الجو لبناء الوحدة الوطنية. والتي هي بطبيعة الحال غاية من الغايات لأي تنمية، وآية ذلك، أن بها يتحقق السلام الاجتماعي والاستقرار السياسي.
ولقد ظل الشمال دهراً بلا تنمية حقيقية تذكر حتى جاء سد مروي، فانداحت مشاريع التنمية التي صاحبته. خيراً وبركة، على عمران الشمال وارض الشمال، لينهض من كبوته، وليودع إلى الأبد عزلته التاريخية التي طالت واستحكمت حلقاتها. ولقد كان لزاماً لإنهاء تلك العزلة. إنشاء جسور رئيسية على النيل خاصة وانه مصدر الحياة ومنبع الخير، وعليه يقع المشروع الكبير، وذلك حتى تكتمل حلقات الربط والتواصل ويتم عناق الضفتين في خمس حالات لأول مرة بولايتي الشمالية ونهر النيل، ثلاثة منها بالشمالية: دنقلا السليم، مروي كريمة، الدبة ارقي، واثنان بنهر النيل: العكد أم الطيور، شندي المتمة. هذا وقد تم حتى الآن افتتاح كبري الصداقة: مروي ـ كريمة، في 17 يناير 2008م وشندي ـ المتمة في 18 مايو 2009م، والعكد أم الطيور في 10 أغسطس 2009م، كما افتتحت في يونيو الماضي المرحلة الأولى من كبري دنقلا ـ السليم. وسيتم الافتتاح رسمياً بالثلاثاء 18 من الشهر الجاري.
كبري العكد ـ أم الطيور:
لقد وضعت وحدة تنفيذ السدود إستراتيجية طموحة لإنهاء معاناة وعزلة المواطنين وذلك بإنشاء طرق وكباري ومرافق صحية. ويأتي هذا ألكبري من ضمن هذه المنظومة من الانجازات تجسيداً لمعاني العطاء والعمل لتنتهي بذلك فصول المعاناة، ويخرج المواطنون من قمم العزلة التاريخية الطويلة.
ولقد قامت وزارة المالية الاتحادية بتغطية التكلفة المبدئية للمشروع البالغ قدرها (37) مليون دولار. ما يعادل: 10.954.210.545 جنيهاً. والمقاول الرئيسي للمشروع هو شركة دانفوديو للطرق والجسور، فيما عملت الدار الاستشارية كاستشاري للمشروع.
هذا ويتكون الجسر الذي جرى افتتاحه بالاثنين 10 أغسطس من جسم خرساني بطول 858 متراً وعدد 22 بحراً بطول (10) أمتار لمرور المواطنين أسفل المدخل، وبعرض كلي 20.5 متراً. وبالكبري مساران في كل اتجاه مع مسار للمشاة في جانب. تجدر الإشارة إلى أن العمل بدأ في اليوم الأول من فبراير عام 2006م وقد تم هذا الانجاز بأيدي سودانية 100%.
ولعل من أهم مميزات هذا الجسر، أنه يربط بين ضفتي النهر ، أي يربط الشرق بالغرب لأول مرة، ومن ثم يسهل انسياب الحركة القادمة من بورتسودان إلى ولايتي نهر النيل والشمالية عن طريق بورتسودان ـ عطبرة، كما انه يهيئ الولاية لمستقبل صناعة الاسمنت، ويساهم في الاستثمار السياحي في الولايتين، وزيادة الرقعة الزراعية بهما. والشاهد أن هذا الكبري سيربط كل مدن وقرى النيل بميناء بورتسودان الرئيسي، ويسهم بالتالي في دعم مسيرة التواصل الاجتماعي والزراعي بين محليتي عطبرة والدامر، إضافة إلى تنشيط الاستثمار بهما.
دنقلا ـ السليم وجهاً لوجه في 18 أغسطس:
يعتبر كبري دنقلا ـ السليم من أكبر مشروعات البنى التحتية بالولاية الشمالية، وذلك لدوره الكبير في إحداث النمو والحراك الاقتصادي ما بين منطقتي السليم، التي تعد من أعتى المناطق الزراعية بالبلاد، ومنطقة دنقلا ومحيطها الآهل بالسكان. الأمر الذي يجعلها منطقة استهلاكية من الدرجة الأولى، خاصة وان المدينة قد نمت في الآونة الأخيرة بصورة مذهلة، وأصبحت لا تقل من حيث النمو والتطور العمراني من أي مدينة أخرى، فقد ربطت المدينة بشبكة من الطرق الداخلية ساعدت في حركة المواطنين وانتقالهم من منطقة إلى أخرى.
والشاهد أن هذا الجسر يتمتع بموقع استراتيجي. وآية ذلك انه يربط مدينة حلفا من ناحية منطقة السليم، وبولاية الخرطوم والبحر الأحمر من ناحية طريق شريان الشمال، وهناك شبكة من الطرق يتم تنفيذها مع مشروع الكبري، منها (12) كلم في الناحية الغربية بمدينة دنقلا، وحوالي كيلومترين من الناحية الشرقية بمنطقة السليم.
والمقاول الرئيسي للكبري شركة دانفوديو وشركة A&A ويبلغ طوله 600متراً وعرضه 20.5 متراً بمسارين في كل اتجاه مع مسار للمشاة في جانب. وتقوم حكومة السودان بتمويل المشروع بتكلفة مبدئية قدرها 7.3 مليار دينار: بدأ العمل في الكبري في أول نوفمبر 2006م وسيجري افتتاحه. كما أسلفنا في 18 أغسطس الجاري.
ويعتبر هذا الجسر بمثابة رابط وجداني وثقافي وتنموي، فضلاً عما سيحققه من تواصل بين كل ولايات السودان. وهو كذلك جسر لتدعيم العلاقات الثقافية والسياسية في وادي النيل. ومن ناحية أخرى سينهي هذا الجسر المعاناة القاسية التي ظل يعيشها المواطنون والمتمثلة في ضياع الوقت والجهد والمال، خاصة إذا علمنا أن المواطنين يأتون من ريف السليم الذي يبعد حوالي (21) كلم من مرفأ البنطون. وإذا أضفنا إلى ذلك مخاطر العبور، واستشهاد الكثير من المواطنين بسبب عدم وجود وسيلة مواصلات لنقل المرضى إلى الضفة الثانية من النهر. كما يعتبر هذا الجسر الرابط الرئيسي بين ضفتي النهر في أقاصي الولاية الشمالية وحلقة الوصل بين كريمة ودنقلا وأم درمان ودنقلا، ودنقلا وحلفا عن طريق السليم . ويلعب بهذه الوضعية الدور الرئيسي في نقل الحركة القارية الحالية والمستقبلية بين مصر والجماهيرية الليبية، وباقي ولايات السودان، كما انه سيرفع من مستوى المنطقة الاقتصادي وينشط الاستثمار السياحي، ويمتن النسيج الاجتماعي.
الدبة تستعد لمعانقة أرقي: يوليو 2010م:
بالأمس القريب، احتفلت الولاية الشمالية ببدء العمل في جسر الدبة ـ ارقي بمحلية الدبة والمشروع واحد من الأحلام التي ظل ينتظرها المواطنون منذ سنين. وتقوم بتمويل المشروع حكومة السودان بتكلفة مبدئية قدرها 25 مليون دولار ويبلغ طول الجسر 366 كلم وعرضه (20) متراً وبه خمس وأربعين دعامة في النهر، وست وثلاثين دعامة خارج النهر، ويتكون من مسارين، أحدهما يربط الجسر بطريق شريان الشمال بوصلة طولها ثلاثة كيلومترات. وسيتم افتتاحه في يوليو من العام القادم (2010)م . وتقوم بتنفيذه شركة فداء للطرق والجسور.
ولا شك أن الكبري سيربط طريق شريان الشمال، بطريق كريمة ـ ناوا أما طريق شريان الشمال فيتكون من جزئين: أم درمان الملتقى ـ مروي، وأم درمان ـ دنقلا ،وطريق كريمة ـ ناوا على الضفة اليمنى للنيل (الشرقية)، والذي يبلغ طوله 180 كلم، فيمر بقرى ومناطق تتبع لثلاث محليات: محلية مروي ، محلية الدبة، محلية القولد، والمقاول الرئيسي للطريق: شركة هجليج لخدمات البترول والاستثمار.
والحقيقة انه قبل إنشاء سد مروي، كان ضرباً من الخيال أن يرى شارع من الاسفلت مرصوفاً في تلك المنطقة، ذات الطبيعة التضاريسية الصعبة والوعرة، والتي تكثر فيها الرمال والوديان والتعاريج، وكما كان إنشاء الطرق المسفلتة كان يمثل حجر الزاوية، بل هو أهم البنيات التحتية له.
هذا ومما تجدر الإشارة إليه، انه بافتتاح كبري: العكد ـ أم الطيور في 10 أغسطس من الجاري، تكون حلقة الربط والتواصل قد اكتملت، ما بين مروي ـ عطبرة (262كلم)، وطريق عطبرة ـ بورتسودان 482 كلم.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المؤلف

صورتي
عطبرة, نهر النيل, Sudan
مؤرخ وأستاذ مادة التاريخ بالجامعات السودانية