محتويات الموقع

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

شندي: حاضرة الجعليين وأهم مدن المثلث المروي

شندي: حاضرة الجعليين وأهم مدن المثلث المروي
خلاصة لبحث الأستاذ ناصر محمد عثمان (عجلة) جامعة شندي 2004م
*

الميلاد:
تصنف شندي ضمن الجيل القديم من المدن الذي كان قائماً قبل مجيء الحكم الثنائي للبلاد في 1899م. فهي إذن عمران سناري، لكنها نمت وازدهرت بفضل البنيات التحتية التي أدخلها الاستعمار، خاصة في مجال النقل، حيث أصبحت المدينة المحطة الرئيسية للسكة حديد بين عطبرة والخرطوم. ومن ثم ارتبطت بهذه الوسيلة الحديثة مع ميناء السودان الرئيسي بورتسودان على البحر الأحمر، وبالعاصمة القومية الخرطوم.
والحقيقة إننا لا نعلم الكثير عن نشأة مدينة شندي وتاريخها المبكر. فالمصادر لا تذكر شيئاً عن تاريخها قبل قيام السلطنة الزرقاء عام 1505م، حيث بدأ بتردد اسم المدينة في كتابات الرحالة الذين زاروها في القرنين الثامن والتاسع عشر مثل: (بروس وبوكاهرت وكابو) وفي كتابات السودانيين التي تعود إلى فترة العهد التركي ـ المصري للسودان (1821 ـ 1885)م مثل طبقات ود ضيف الله، ومخطوطة كاتب الشونة. والشاهد أن تاريخ المدينة القديم غير معروف بالنسبة لنا ونجهل عنه الكثير. ونعتقد أن تاريخها يبدأ مع بداية الحقبة السنارية في مطلع القرن السادس عشر. ولهذا يقال عادة في مثل هذه النماذج في علم التاريخ، العبارة المأثورة It has a long past.but a short history . وبناء على ما بأيدينا من معلومات نستطيع أن نرجح أن شندي قد ظهرت كنواة لقرية صغيرة أو مركز تجمع سكاني زراعي أو تجاري، في شكل استراحة على طريق قديم أو نقطة عسكرية ربما في تاريخ يعود إلى عام 6000ق.م أو قبلها بقليل.
التسمية:
لا يبدو اسم شندي عربياً. وهذا مألوف في السودان، فالعديد من المدن السودانية تحمل أسماء غير عربية، مثل: مدينة كوستي المنسوبة للخواجة الإغريقي (كوستا) ومدينة بورتسودان وهي انجليزية ويزعم بعض سكان المدينة أن لفظة شندي نوبية تعني: البيع نقداً أو حاضراً. ويتفق معهم بروفسور: عون الشريف قاسم الذي ذكر أن شندي اسم لجارية كانت تبيع (المريسة) وتقول للمشترين (الدفع شندي). أي بالمال الحاضر. خاصة وان الشائع في المعاملات التجارية آنذاك هو: نظام المقايضة (Banter) لكن شندي بسبب ازدهارها الاقتصادي والتجاري عرفت التعامل بالنقد وتداوله. وفي قاموس اللهجة العامية في السودان للبروفسور عون الشريف قاسم، نجد كلمة ذات أصل بجاوي، وهي لفظة شندي ومعناها الأرض الطينية البعيدة عن الجبال والتي تستغل للزراعة. وهذا ينطبق تماماً على مدينة شندي وإقليمها الغني بأرضيه الزراعية.
المكان:
تقع مدينة شندي في النصف الجنوبي لولاية نهر النيل شمالي السودان في منتصف المسافة تقريباً بين عطبرة والخرطوم على الضفة الشرقية للنيل الذي يحيط بالمدينة من جهتي الشمال الغربي. وهي بهذا الموقع تعد أقرب مدينة للخرطوم من جهة الشمال ولمدينة مروي القديمة (البجراوية) من جهة الجنوب والمتمة من جهة الغرب، كما أنها أيضا اقرب مدينة على النيل لميناء سواكن على البحر الأحمر والمواني المطلة عليه في شبه الجزيرة العربية. كل ذلك هيأ شندي في الماضي أن تلعب دوراً هاماً كوسيط تجاري بين بلاد السودان ومصر ووسط وغرب إفريقيا من جهة وبلاد العرب والهند والشرق الأقصى من جهة أخرى. كما أن وقوعها بين مدينتي بربر في الشمال وسنار في الجنوب، مكنها أيضاً من لعب دور الوسيط التجاري بين مصر ودنقلا وبربر من جهة، وسنار والحبشة وكردفان من جهة أخرى.
تتوسط مدينة شندي ثلاث مراكز حضارية هامة عرفت واشتهرت في المنطقة منذ العصر المروي قبل الميلاد ببضعة قرون، حيث كانت تقوم مباشرة على شمالها مراكز الحكم والإدارة في مدينة مروي (البجراوية) العاصمة القديمة للمملكة المروية. وفي شرقها تمثلت المراكز الدينية والتعليمية في النقعة والمصورات على مسافة 32 ميلاً جنوب شرق تمثلت المراكز الدينية والتجارية في منطقة ود بانقا على مسافة 24 ميلاً هذا المثلث المروي الشهير توسطت مدينة شندي قاعدته الممتدة من الشمال إلى الجنوب من مدينة مروي شمالا إلى ود بانقا جنوباً.
كذلك تمتعت مدينة شندي بشيء من الخصوصية ميزتها عن غيرها من مدن السودان وآية ذلك أنها كانت ولا تزال مركزاً لإحدى أكبر القبائل العربية في السودان (الجعليين) كما أنها كانت قديماً مركزاً لالتقاء ثقافات عربية ونوبية وحضارات مسيحية وإسلامية ومروية شهدها إقليم المدينة، أعني إقليم جزيرة مروي في النوبة العليا. وجزيرة مروي المقصود بها الأراضي الواقعة بين نهري النيل وعطبرة، والممتدة من الدامر شمالا إلى حجر العسل جنوباً وسميت هذه المنطقة بجزيرة مروي بسبب قيام مملكة مروي في أراضيها واشتهرت تاريخياً باسم عاصمتها مروي (البجراوية) إلى الشمال من مدينة شندي.
ويمتاز إقليم مدينة شندي باتساع أراضيه وامتداد سهله الفيضي إلى مسافات واسعة شمالاً وجنوباً بمحاذاة النيل وهي أراضي زراعية خصبة تزرع عن طريق النيل. إضافة إلى المساحات الشاسعة في السهول الواقعة إلى الشرق من السهل الفيضي لنهر النيل والتي تتعرض إلى كميات من الأمطار تكفي لإنبات العشب وتصلح للزراعة المطرية وتنبت من الأشجار ما يصلح للعديد من الاستخدامات مثل صناعة المراكب والسواقي والأثاثات المنزلية. وإقليم مدينة شندي بهذا الوصف موضع مثالي لاستقرار الإنسان ومزاولة النشاط الزراعي والرعوي. فوجود الأراضي الخصبة ومياه الري يساعد على قيام حرفة الزراعة ووجود الأعشاب والحشائش يشجع ويحض على اقتناء وتربية الحيوان، ويساهم بذلك في توفير احتياجات مدينة شندي من المنتجات الزراعية والحيوانية مثل: الحبوب والخضروات والأخشاب والألبان واللحوم والجلود.
بالإضافة إلى ذلك فقد تمتع إقليم مدينة شندي بثروات معدنية وغابية لا بأس بها، حيث تمكن المرويون قديماً من صهر وتعدين الحديد. وآية ذلك أن مدينة مروي القديمة أطلق عليها مصطلح (برمنجهام السودان) وقد سخرت الغابات الواسعة في الإقليم من أجل صهر وتعدين الحديد في العاصمة مروي، وفي صناعة المراكب والسواقي والأثاثات المنزلية كما أسلفنا.
وفي العهد التركي المصري (1821 ـ 1885)م شهدت مدينة شندي حادثة اقتيال إسماعيل باشا بن محمد علي في 1822م وحملات الدفتردار الانتقامية التي أعقبت هذه الحادثة. فكانت بذلك أول مدينة سودانية تقوم بانتفاضة ضد ذلك الحكم. ومن ثم تعرضت للدمار والخراب على أيدي أولئك الغزاة.
كذلك عانت المدينة وتوأمها المتمة خلال المهدية من بطش جيوش المهدية، خاصة مذبحة المتمة المشهورة في يوليو 1897م والتي راح ضحيتها ألف قتيل وهاجر على أثرها عدد كبير من سكان المدينتين إلى منطقة القلابات بين الرهد والعطبراوي، حيث مدينة المتمة الجديدة التي أسسها الجعليون هنالك.
وبالإضافة إلى النقل الحديدي الذي ربط المدينة منذ مطلع القرن العشرين بالعاصمة القومية وميناء بورتسودان، جاء طريق التحدي في العقد التاسع من ذات القرن ليحكم ربطها وتواصلها مع تلك المدينتين الهامتين . ثم كان افتتاح كوبري المتمة شندي في 18 مايو 2009م بمثابة صمام الأمان لإحكام حلقة التواصل بين المدينة وظهيرها الغربي الغني بمنتجاته الزراعية والحيوانية من جهة، وبالولاية الشمالية وولاية البحر الأحمر من جهة أخرى.
وهكذا فأن المدينة موعودة. في ظل هذه الانجازات المتسارعة بنهضة شاملة في كل المجالات، وقد بدأت بالفعل إرهاصاتها تبدو للعيان، بجانب جامعة شندي العملاقة ، بكلياتها المختلفة، هنالك الصرح الطبي العملاق مستشفى المك نمر التعليمي بتخصصاته وأقسامه المختلفة والذي أصبح في خدمة المواطنين بالمدينة وإقليمها. وسلام وألف سلام .. يا عمران..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

المؤلف

صورتي
عطبرة, نهر النيل, Sudan
مؤرخ وأستاذ مادة التاريخ بالجامعات السودانية